فصل: حرف الزاي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


تنبيه‏:‏ قال ابن عبد السلام في أماليه‏:‏ ظاهر الحديث أن العالم أكثر عذاباً من الجاهل وليس ذلك على إطلاقه ثم ذكر تفصيلاً فاطلبه من الأمالي‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ عن موسى بن محمد بن كثير السيربني عن عبد الملك بن إبراهيم الجدي عن عبد اللّه بن عبد العزيز العمري عن أبي طوالة ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏حل‏)‏ عن الطبراني بسنده هذا ثم قال‏:‏ غريب من حديث أبي طوالة عن أنس تفرد به عبد اللّه العمري اهـ‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ حديث باطل وابن الجوزي موضوع قال المنذري‏:‏ لكن له مع غرابته شواهد وقال في الميزان‏:‏ حديث منكر‏.‏

4586 - ‏(‏الزبيب والتمر هو الخمر‏)‏ أي هما أصل الخمر لاعتصارها من كل منهما قال ابن حجر‏:‏ ظاهره الحصر لكن المراد ‏[‏ص 71‏]‏ المبالغة وهو بالنسبة إلى ما كان حينئذ بالمدينة موجوداً ففي البخاري عن أنس كان عامة خمرنا البسر والتمر أي النبيذ الذي يصير خمراً كان أكثر ما يتخذ منهما قال الكرماني‏:‏ قوله البسر والتمر مجاز عن الشراب الذي يصنع منهما عكس ‏{‏إني أراني أعصر خمراً‏}‏ وقيل‏:‏ مقصود الحديث الإشعار بأن التحريم لا يختص بالخمر المتخذة من العنب بل يشركها فيه كل شراب مسكر‏.‏

- ‏(‏ن عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ورمز المصنف لصحته وأصله قول ابن حجر في الفتح‏:‏ سنده صحيح‏.‏

4587 - ‏(‏الزبير‏)‏ بن العوام أحد العشرة ‏(‏ابن عمتي وحواري‏)‏ ناصري ‏(‏من أمتي‏)‏ يعني أنه مختص من أصحابي ومفضل عليهم والمراد أنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على أقرانه وإلا فكل الصحابة كانوا أنصاره قال الزمخشري‏:‏ حواري الأنبياء صفوتهم والمخلصون لهم من الحور وهو أن يصفو بياض العين ويشتد خلوصه فيصفو سوادها‏.‏

- ‏(‏حم عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ورواه ابن أبي شبة والديلمي والخطيب‏.‏

4588 - ‏(‏الزرقة في العين يمن‏)‏ أي بركة يعني أن المرأة التي عينها زرقاء مظنة للبركة كما يدلّ له خبر الديلمي عن أبي هريرة تزوّجوا الزرق فإن فيهن يمناً وزاد الديلمي في روايته في الحديث المشروح وكان داود أزرق اهـ‏.‏ وهذا قاله رداً لما كانت الجاهلية تزعمه من سوء زرقة العين قال في الكشاف‏:‏ الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ولذلك قالوا في صفة العدو‏:‏ أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين‏.‏

- ‏(‏حب في الضعفاء‏)‏ عن أبي عويمر عن محمد بن يونس الكديمي عن عباد بن صهيب عن هشام عن عروة ‏(‏عن عائشة‏)‏ مرفوعاً قال ابن الجوزي‏:‏ موضوع وعباد متروك والراوي عنه هو الكديمي والبلاء منه وفي الميزان عباد أحد المتروكين وقال ابن المديني‏:‏ ذهب حديثه وقال البخاري والنسائي متروك وقال ابن حبان كان قدرياً داعية يروي أشياء إذا سمعها المبتدي في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ثم أورد له هذا الحديث‏.‏

- ‏(‏ك في تاريخه‏)‏ تاريخ نيسابور عن محمد بن أحمد الكرابيسي عن محمد بن الرومي عن أحمد بن إبراهيم بن أبي نافع عن الخليل بن سعيد عن عمرو بن عامر بن الفرات عن الحسين بن علوان عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ‏(‏فر عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

4589 - ‏(‏الزكاة قنطرة الإسلام‏)‏ لما فيها من إظهار عز الإسلام بكسر ألفة من أبى واستكبر عن المواساة والنصفة لخلق اللّه ورأى أن في أدائها حطاً من رئاسته ونقصاً لرتبته وبها يتميز الذين آمنوا من الذين نافقوا لتمكنهم من الرياء في غيرها دونها ولم يشهد اللّه بالنفاق جهراً أعظم من شهادته على مانعها‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا إسحاق في مسنده ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ حديث لا يصح وقال الهيثمي‏:‏ رجاله موثقون إلا بقية فمدلس وقال المصنف في حاشية القاضي‏:‏ سنده ضعيف ولم يوجهه بشيء وقال الكمال بن أبي شريف في تخريج الكشاف‏:‏ فيه الضحاك بن حمزة وهو ضعيف‏.‏

4590 - ‏(‏الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر‏)‏ وفي رواية بدل الأربعة خمسة، زاد الذرة ‏[‏وقيس بها ما في معناها من كل ما يقتات اختياراً‏.‏‏]‏ قال الزمخشري‏:‏ الزكاة من الأسماء المشتركة تطلق على عين وهي الطائفة من المال المزكى بها وعلى معنى وهو الفعل الذي هو التزكية في خبر ذكاة الجنين ذكاة أمه ومن الجهل بهذا أتى من ظلم نفسه بالطعن على قوله عز من قائل ‏{‏والذين هم للزكاة فاعلون‏}‏ ذاهباً إلى العين وإنما المراد الفعل أعني التزكية‏.‏

- ‏(‏قط‏)‏ من حديث موسى بن طلحة ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه والأمر بخلافه فقد قال ابن حجر‏:‏ فيه العزرمي وهو متروك وقال أبو زرعة‏:‏ عن عمر مرسل وعجب من المصنف ‏[‏ص 72‏]‏ كيف آثر هذه الرواية المطعون فيها على الحديث المتصل الثابت وهو خبر الحاكم والبيهقي لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال البيهقي‏:‏ رواته ثقات وهو متصل واللائق في أحاديث الأحكام أن يتحرى منها ما تقوم به الحجة‏.‏

4591 - ‏(‏الزنا يورث الفقر‏)‏ أي اللازم الدائم لأن الغنى من فضل اللّه والفضل لأهل الفرح باللّه وبعطائه وقد أغنى اللّه عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم وإذا ذهب الفضل ذهب الغنى وجاء العنا فالزنا موكل بزوال النعمة فإذا ابتلي به عبد ولم يقلع ويرجع فليودع نعم اللّه فإنها ضيف سريع الانفصال وشيك الزوال ‏{‏ذلك بأن اللّه لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللّه بقوم سوء فلا مرد له‏}‏ قال في شرح الشهاب‏:‏ الفقر نوعان فقر يد وفقر قلب فيذهب شؤم الزنا بركة ماله فيمحقه لأنه كفر النعمة واستعان بها على معصية المنعم فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده ولا يعطى الصبر عنه وهو العذاب الدائم وأخرج ابن عساكر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أوحى اللّه إلى موسى يا موسى إني قاتل القاتلين ومفقر الزناة‏.‏

- ‏(‏القضاعي‏)‏ في مسند الشهاب قال العامري في شرحه‏:‏ غريب ‏(‏هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال المنذري‏:‏ فيه الماضي بن محمد وقال في الميزان‏:‏ حديث منكر وإسناده فيه ضعيف‏.‏

4592 - ‏(‏الزنجي إذا شبع زنا وإذا جاع سرق ‏[‏هذا في حكم غير المتقين إذا غلبه الطبع، وإلا فيقول تعالى ‏"‏{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}‏"‏، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‏"‏المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ‏(‏9211‏)‏‏"‏ ويقول‏:‏ ‏"‏انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى ‏(‏2740‏)‏‏"‏‏.‏ دار الحديث‏]‏ وإن فيهم لسماحة ونجدة‏)‏ أي شجاعة وبأساً وقد اعتمد الشافعي هذا الخبر ففي مناقبه للبيهقي عن المزني كنت معه بالجامع فدخل رجل يدور على النيام فقال الشافعي للربيع‏:‏ قل له ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه فقال‏:‏ نعم فجاء للشافعي فقال‏:‏ أين عبدي قال‏:‏ تجده في الحبس فوجده فقلنا للشافعي‏:‏ أخبرنا فقد حيرتنا فقال‏:‏ رأيته يدور في النيام فقلت‏:‏ يطلب هارباً ويجيء إلى السود فقط فقلت‏:‏ هرب له أسود ويجيء إلى مائل العين اليسرى فقلت‏:‏ مصاب بها‏.‏ قلنا‏:‏ فما يدريك أنه في الحبس قال‏:‏ الخبر‏:‏ إن شبع زنا وإن جاع سرق‏.‏ فتأوّلت أنه فعل أحدهما‏.‏

- ‏(‏عد‏)‏ عن أحمد بن حشرد عن أبي سعيد الأشج عن عقبة بن خالد عن عنبسة البصري عن عمرو بن ميمون عن الزهري عن عروة عن عائشة أورده ابن الجوزي في الموضوع وقال‏:‏ عنبسة البصري متروك وتعقبه المصنف بأن له شاهداً وقال السخاوي‏:‏ له شاهد عند الطبراني في الأوسط‏:‏ الأسود إذا جاع سرق وإذا شبع زنا وفي الكبير‏:‏ قيل يا رسول اللّه ما يمنع حبش بني المغيرة أن يأتوك إلا أنهم يخشون أن تردهم فقال‏:‏ لا خير في الحبش إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا زنوا‏.‏

4593 - ‏(‏الزهادة في الدنيا‏)‏ أي ترك الرغبة فيها ‏(‏ليست بتحريم الحلال‏)‏ على نفسك كأن لا تأكل لحماً ولا تجامع ‏(‏ولا إضاعة المال‏)‏ فقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم قدوة الزاهدين ويأكل اللحم والحلو والعسل ويحب ذلك والنساء والطيب والثياب الحسنة فخذ من الطيبات من غير سرف ولا مخيلة وإياك وزهد الرهبان ‏(‏ولكن الزهادة في الدنيا‏)‏ حقيقة هي ‏(‏أن لا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد اللّه‏)‏ فإنك إذا اعتقدت ذلك وتيقنته لا يقدح في زهدك، وتجردك تناولك من الدنيا ما لا بد منه مما تحتاج إليه في قوام البنية ومؤونة العيال ‏(‏وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك‏)‏ أي لو أن تلك المصيبة منعت وأخرت عنك ‏[‏ص 73‏]‏ فليس الزهد تجنب المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه عنده وعدم تعلقه بالقلب البتة ومن ثمة قال الغزالي‏:‏ الزهد ترك طلب المفقود من الدنيا وتفريق المجموع منها وترك إرادتها واختيارها قالوا‏:‏ وأصعب الكل ترك الإرادة بالقلب‏.‏ إذ كم تارك لها بظاهره محب لها بباطنه فهو في مكافحة ومقاساة من نفسه شديدة فالشأن كله في عدم الإرادة القلبية ولهذا لما سئل أحمد عمن معه ألف دينار ألا يكون زاهداً ‏؟‏ قال‏:‏ نعم بشرط أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت وقال بعضهم‏:‏ الزاهد من لا يغلب الحلال شكره والحرام صبره قال ابن القيم‏:‏ وهذا أحسن الحدود فالزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد منها وقد جهل قوم فظنوا أن الزهد تجنب الحلال فاعتزلوا الناس فضيعوا الحقوق وقطعوا الأرحام وجفوا الأنام واكفهروا في وجوه الأغنياء وفي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال ولم يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب وأن أصله موت الشهوة القلبية فلما اعتزلوها بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد فأداهم ذلك إلى الطعن في كثير من الأئمة‏.‏

- ‏(‏ت ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ قال الترمذي‏:‏ غريب وقال المناوي‏:‏ فيه عمر بن واقد قال الدارقطني‏:‏ متروك‏.‏

4594 - ‏(‏الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن‏)‏ وفي رواية الجسد ‏(‏والرغبة فيها تتعب القلب والبدن‏)‏ ونفعها لا يفي بضرها وتبعاتها من شغل القلب وكذا البدن في الدنيا والعذاب الأليم والحساب الطويل في الآخرة فينبغي أن لا يأخذ العاقل منها إلا ما لا بد منه من عبادة ربه والنفس تسلي وتتعود ما عودتها كما قال‏:‏

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى * فإن توقت تاقت وإلا تسلت

‏(‏وقال آخر‏:‏‏)‏

فالنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع

وقال الشافعي‏:‏ عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد‏.‏

- ‏(‏طس عد هب عن أبي هريرة هب عن عمر موقوفاً‏)‏ قال المنذري‏:‏ إسناده مقارب‏.‏

4595 - ‏(‏الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن‏)‏ لأنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ما هو بصدده وقطع مواد طمعه التي هي من أفسد الأشياء للقلب قال رجل لابن واسع‏:‏ أوصني قال‏:‏ أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة قال‏:‏ كيف قال‏:‏ فالزم الزهد ‏(‏والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن‏)‏ فالدنيا عذاب حاضر يؤدي إلى عذاب منتظر فمن زهد فيها استراحت نفسه وصار عيشه أطيب من عيش الملوك فإن الزهد فيها ملك حاضر إذ العبد إذا ملك شهوته وغضبه وانقاد معه لداعي الدين فهو الملك حقاً لأن صاحب هذا الملك حر والملك المنقاد لشهوته وغضبه عبدهما فهو مملوك في صورة مالك يقوده زمام الشهوة والغضب كما يقاد البعير، وما أحسن ما قال بعضهم‏:‏

أرى الزهاد في روح وراحه * ملوك الأرض سيمتهم سماحه

- ‏(‏حم في‏)‏ كتاب ‏(‏الزهد هب عن طاوس‏)‏ بن كيسان اليماني الحميري أحد أعلام التابعين ‏(‏مرسلاً‏)‏ ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسنداً لأحد وهو عجيب فقد رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة يرفعه قال الهيثمي‏:‏ وفيه أشعث بن نزار لم أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعف فيهم ثم ظاهر كلامه أيضاً أنه لا علة في هذا المرسل سوى الإرسال وليس كذلك بل فيه الهيثم بن جميل قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ حافظ له مناكير‏.‏

‏[‏ص 74‏]‏ 4596 - ‏(‏الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن‏)‏ حقيقة الزهد التوكل حتى يكون ثقته بقسمة اللّه فإن ما في يده قد يكون رزق غيره ولا يفرح به ولا يطمئن ولا إلى ما يرجوه من يد غيره فيستريح قلبه من همها وغم ما يفوت منها وبدنه من كد الحرص وكثرة التعب في طلبها فلم يغتم قلبه على ما فات ولم ينصب بدنه فيما هو آت وإن جهل ذلك يعذب قلبه بتوقع ما لم يقسم منها ويحزن لذلك على كل فائت منها فتستخدمه الدنيا ويصير من عيد الهوى بطالاً من خدمة المولى فيقسو قلبه ببطالته وأبعد القلوب من اللّه القلب القاسي ‏(‏والرغبة فيها تكثر الهم والحزن والبطالة تقسي القلب ‏[‏ أي والشغل بالعبادة أو باكتساب الحلال للعيال يرققه قال أبو يزيد‏:‏ ما غلبني إلا شاب من بلخ قال لي‏:‏ ما حد الزهد عندكم قلت‏:‏ إن وجدنا أكلنا وإن فقدنا صبرنا فقال‏:‏ هكذا عندنا كلاب بلخ قلت‏:‏ فما حده عندكم قال‏:‏ إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا‏.‏‏]‏‏)‏ ومن ثمة ترك الصحب السعي في تخليصها بالكلية واشتغل أكثرهم بالعلوم والمعارف وبالتعبد حتى لم يبقوا من أوقاتهم شيئاً إلا وهم مشغولون بذلك ومن حصلها منهم إنما كان خازناً للّه وذلك لا ينافي زهده فيها لأنهم لم يمسكوها لأنفسهم بل للمستحقين وقت الحاجة بحسب ما يقتضيه الاجتهاد في رعاية الأصلح‏.‏

تنبيه‏:‏ سئل بعض الصوفية إذا كان حقيقة الزهد ترك شيء ليس له فالزاهد جاهل لأنه ما زهد إلا في عدم ولا وجود له فقال‏:‏ صحيح لكن شرع الزهد ليخرج من حجاب المزاحمة على الدنيا فالمحجوب كلما لاح له شيء قال‏:‏ هذا لي فيقبض عليه فلا يتركه إلا عجزاً وأما العارف فلا قيمة للزهد عنده لعلمه بأن ما قسم له لا يتصور تخلفه وما لا يقسم لا يمكنه أخذه فاستراح والدنيا لا تزن عندهم جناح بعوضة فلا يرون الزهد عندهم مقاماً، وعليه قيل‏:‏

تجرد عن مقام الزهد قلبي * فأنت الحق وحدك في شهودي

أأزهد في سواك وليس شيء * أراه سواك يا سر الوجود‏؟‏

ومنهم من احتقر كل ما في الدنيا مما لم يؤمر بتعظيمه فرآه لشدة حقارته عدماً ومنهم من تخلق بأخلاق اللّه ورأى الوجود كله من شعائر اللّه فلم يزهد في شيء بل استعمل كل شيء فيما خلق له وهو الكامل وإنما زهد الأنبياء في الدنيا حتى عرضها عليهم تشريعاً فإن بداية مقامهم تؤخذ من بعد نهاية الأولياء من زهد ومن لم يزهد فبالنظر لمقامهم لا يزهدون وبالنظر لأممهم يزهدون، وأنشدوا‏:‏

الزهد ترك وترك الترك معلوم * بأنه مسك ما في الكف مقبوض

الزهد ليس في العلم مرتبة * وتركه عند أهل الجمع مفروض

أي لأنه ما ثم إلا تخلق بأخلاق اللّه وهو لم يزهد في الكون لأنه مدبره ولو تركه لاضمحل في لمحة فيقال للزاهد بمن تخلقت في زعمك ترك الدنيا‏؟‏ بل نفسك الخارج من جوفك من الدنيا، فاتركه تموت‏.‏

- ‏(‏القضاعي‏)‏ في مسند الشهاب ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص ورواه أيضاً ابن لال والحاكم والطبراني والديلمي وغيرهم فعدول المصنف للقضاعي واقتصاره عليه غير جيد‏.‏